بعد حفل زواجه بخمسة أيام وإلى الآن مازال يحيى نقي، 47 عاما، يحتل فسحة صغيرة على رصيف شارع الواسطي في مدينة الكوت مركز محافظة واسط، ليمارس عبرها، حين اضطرته الظروف، مهنة "تصليح الساعات.
"مضى على مزاولتي هذه المهنة نحو عشرين عاما"، هكذا ابتدأ يحيى حديثه، ويضيف "في العام 1988 وبعد زواجي بخمسة أيام وجدت نفسي مضطرا للبحث عن مهنة أخرى، رغم كوني أعمل معلما في إعدادية الصناعة بالكوت، كي تساعدني على متطلبات حياتي الجديدة، فعملت مع أحد أقاربي من الساعاتية بأجر زهيد في ذلك الوقت".
ويوضح نقي "أمضيت فترة تحت التدريب نعمل سويا في محل صغير لا تزيد مساحته عن المتر المربع الواحد، وكنت في الأيام الأولى ارتدي بدلة العرس "الأصلية"، ذات اللون الأبيض، إلى أن تعلمت المهنة، وتمكنت من إيفاء الديون التي ترتبت بذمتي".
ويقول إن "هذه المهنة أخذت تزدهر الآن أكثر من السابق، لأن الماركات الموجودة من الساعات في الوقت الحاضر كلها رديئة ومقلدة وغير أصلية، وبالتالي فهي عرضة للتوقف باستمرار.
ويقول الساعاتي حسن جاسب، الذي يتخذ من رصيف الشارع ذاته مكانا له، إن عملية تصليح الساعات لا تحتاج سوى إلى عدّة بسيطة للعمل، وهذه العدة متوفرة في السوق المحلية، ويمكن بواسطتها تصليح ثلاثة أنواع من الساعات، هي اليدوية على اختلاف ماركاتها، والساعات المنضدية والجدارية، وإن أفضل تصليح يكون للساعات المنضدية، لأن أدواتها كبيرة ويمكن أن يراها الساعاتي دون الحاجة إلى العدسة المكبرة، وبذلك لن يضعف بصره بسبب عمله بتصليح الساعات اليدوية التي تحتوي على أجزاء صغيرة الحجم، وفي الواقع فأن جميع الساعاتية يعانون من ضعف البصر نتيجة استمرارهم بهذه المهنة زمنا طويلا.
ويمضي جاسب إلى القول إن العدة التي يستخدمها بسيطة، وتتضمن الملقط، الذي يطلق عليه "الجفت"، وهو يستخدم لمسك أجزاء الساعة الصغيرة ورفعها أو إعادتها إلى مكانها، وهناك جهاز فتح غطاء الساعة، وهذا يستخدم فقط في الساعات اليدوية، ويسمى "فخ"، إضافة إلى المفل أو ما يسمى "الدرنفيس"، وهو بعدة أنواع، منها المعتدل والمربع والمثلث، كما أنها بعدة أحجام أيضا، وكلها تكون صغيرة جدا.
ويضيف "نستخدم في العمل فرشاة للتنظيف وجهاز "الآفوميتر" لقياس قدرة البطارية والملف أو ما نطلق عليه "الكويل"، ويستخدم "الآفوميتر" لفحص تكامل الدائرة الالكترونية بالنسبة لساعات الكوارتز، كما نستخدم "الكوسرة" لقطع الزجاج، فحين يأتي أحدهم وتكون الزجاجة الواقية لساعته قد تكسرت، من الممكن أن نعمل له زجاجة واقية بنفس المواصفات، وهناك "الجاكس" الذي نستخدمه لفتح مسمار تثبيت سير الساعة "البيم"، إضافة إلى لاصق "الأمير" والصمغ أو السيكوتين الاعتيادي لتثبيت المينة "وجه الساعة أو الأرقام".
وفي عودة إلى الساعاتي يحيى نقي الذي يمارس عمله حاليا كمعلم في إعدادية صناعة واسط، ويمارس بعد انتهاء دوامه مهنة تصليح الساعات، يقول "أصبحت الآن أكثر خبرة، ومعنى ذلك أن الساعاتي مثلما يستطيع إيقاف الزمن والتلاعب به عند مسكه للساعة، فهو أيضا يمكن أن يجعل زمن الآخرين بين أيديه، مثل ساعات ملاكات المدرسة، التي تعودت على تصليحها مجانا" حسبما يقول.