إن المكان الوحيد في القرآن الذي ذُكرت فيه قصة الذبيح هي سورة الصافات ولكن دعونا نوضحها بشيء من التفصيل ...الآيات من سورة الصافات بداية من الآية 99
(وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) هنا توجد دعوة من إبراهيم عليه السلام ( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) نلاحظ أن البشرى جاءت بناء على دعوة من النبي وأريدكم أن تركزوا على كلمة حليم فهنا الصفات لا تُوضع ارتجالا (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) قال انه سيكون إن شاء الله من الصابرين ونريد التركيز على كلمة الصابرين أيضاً فالأمر يحتاج صبر كما احتاج هذا الموقف أن يكون هذا الغلام حليم فالموقف يحتاج صفة الحلم ولهذا جاءت الآية الكريمة بوصفه أنه حليم (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) الله أكبر .. لو أكمل باقي الآيات لما أكمل كلامه ...تبقى القصة لسيدنا إبراهيم وبعد الغلام وفدائه بشره الله بإسحاق ..... فمن يكون الغلام الأول ؟!! ولماذا لم يعجب سيدنا إبراهيم من هذه البشري الأولى كما عجب في الآيات التي تبش بإسحاق عليه السلام ؟!!! طبعاً ليس عند الكاتب إجابة ولكن سوف أجيب أنا على هذا التساؤل هنا في الآيات ببشارتين الأولى: للغلام العليم الذي كان من الصابرين وهو إسماعيل عليه السلام ولم يكن فيها عجب فهي جاءت تلبية من الله عز وجل لطلب سيدنا إبراهيم بان يهب له ولد من الصالحين ... أما البشارة الثانية فكانت لإسحاق عليه السلام وسوف نجد أنها تستوجب الوقف عندها الآن لأن فيها معجزة وليست إستجابة لدعاء كما حدث في البشارة بإسماعيل عليه السلام ..
قال تعالى فى سورة الحجر الآيات ( 51 – 55 ) (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ)ما صفة الغلام هنا ؟ انه غلام عليم وليس حليم وهنا يستغرب سيدنا إبراهيم من البشارة فهو مسه الكبر وحدوث هذا الشيء يعتبر غير عادي كما سيتضح في قوله تعالى في سورة الذاريات الآيات ( 27 – 30 ) (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ)
نلاحظ مرة أخرى ما هي صفة الغلام ؟ .. إنه غلام عليم سبحان الله وماذا كان رد امرأة سيدنا إبراهيم ؟ قالت أنها عجوز وأيضا عقيم .... فالحكم واضح هنا يا من يطلبون الحق .. إنها معجزة .. أن تلد عجوز عقيم وزوجها رجل مسن كما جاء في بشرى زكريا عليه السلام في نبي الله يحي عليه السلام .. (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) سورة مريم الآيتين 7 ، 8 أليست هذه معجزة كتلك ؟!!!
ويقول الله تعالى
(فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ * وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) سورة هود الآيات 70 – 72
لكل منصف البرهان الدامغ .. يبشر الله إبراهيم وزوجته بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب إنها بشارة واحدة إسحاق ويعقوب
بشره بالابن وابن الابن ... فكيف يمكن أن يبشر الله بيعقوب ويأمر إبراهيم عليه السلام بذبح إسحاق والبشارة بيعقوب تقتضي أن إسحاق يعيش ويولد له يعقوب ، ولا خلاف بين الناس أن قصة الذبيح كانت قبل ولادة يعقوب، بل يعقوب إنما ولد بعد موت إبراهيم عليه السلام، ؟!!!!
وشاهد أخر هو أن البشارة بالغلام الحليم كانت لإبراهيم عليه السلام فقط والبشارة بإسحاق كانت لإبراهيم عليه السلام وزوجته في جميع المواضع التي ذُكرت
وكنت أشرت إلى قول الذبيح في سورة الصافات ((سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ))
لنرى الإشارة مرة أخرى في الآية 85 من سورة الأنبياء (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ)
ها هو برهان على أن الذبيح كان إسماعيل وليس إسحاق