الاثنا عشر خليفة في الكتاب والسنة :
ونذكر أولا " الأحاديث التي أخرجها أصحاب الصحاح ، والتي تشير إلى وجود اثني عشر خليفة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : ففي صحيح مسلم ، نجد قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا يزال الدين قائما " حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة ) ( 1 ) ،
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم أيضا " : ( لا يزال أمر الناس ماضيا " ما وليهم اثنا عشر رجلا " ) ( 2 ) .
وفي صحيح البخاري بالرواية عن جابر ، نجد قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن هذا الأمر لا يقتضي حتى يمضي فيهم عشر خليفة - قال : تكلم بكلام خفي علي ، قال فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : كلهم من قريش ) ( 3 ) .
( 1 ) صحيح مسلم ، كتاب الإمارة ، ج 4 ص 517 .
( 2 ) المصدر السابق ، ج 4 ص 282 .
( 3 ) صحيح البخاري ، كتاب الإمارة ، باب الناس تبع لقريش ، حديث 1821 . ( * )
- ص 156 -
وفي مسند أحمد بالرواية عن عبد الله بن مسعود قال : ( سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشأن الخلفاء ، فقال : اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل ) ( 1 ) .
وقد أشار الله ( سبحانه وتعالى ) إلى نقباء بني إسرائيل في كتابه العزيز : ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا " ) [ المائدة / 12 ] ، والنقيب لغة هو الباحث عن القوم وعن أحوالهم ، وجمعها نقباء .
وحسب هذه الآية ، فهم أسباط بني إسرائيل الاثني عشر ، والذين كانوا كالولاة على قومهم ، يتولون أمورهم ، ويذكرونهم بما ينبغي عليهم الوفاء به كما ذكر المفسرون ( 2 ) .
ومن ذلك ، فإن نقباء أمة محمد الاثنى عشر ينبغي حسب مقتضى الحديث الأخير ، وما يفهم من هذه الآية أن يكونوا أيضا " حملة ( الميثاق ) أو عهد الله الذي جعل فيهم كما يستدل عليه
أيضا " من مخاطبة الله ( سبحانه وتعالى ) للنبي إبراهيم عليه السلام : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) [ البقرة / 142 ] .
ومن المعلوم - بإجماع المسلمين - أن الله ( سبحانه وتعالى ) جعل عهده النهائي في ذرية إبراهيم من نسل ابنه إسماعيل عليه السلام ، وليس في نسل إسحاق عليه السلام كما يدعي
أهل الكتاب ، وقد توجه إبراهيم عليه السلام إلى الله جل وعلا داعيا ": ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي
إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) [إبراهيم / 37] والمقصود ب ( من ذريتي ) هم إسماعيل ومن انحدر من صلبه ، وقد دعا إبراهيم عليه السلام أن يجعل الله لهم وفيهم الرحمة
، وميل قلوب الناس إليهم تعني زيارة الناس للبيت الحرام وحجهم إليه ، وهذا الميل أو الزيارة كناية عن هداية الناس بهم .
( 1 ) مسند أحمد ، ج 1 ص 389 .
( 2 ) محمد حسين الطباطبائي ، الميزان في تفسير القرآن ، 5 / 244 ، وانظر أيضا " : تفسير شبر ص 109 . ( * )
- ص 157 -
وتؤكد توراة أهل الكتاب أيضا " استجابة هذا الدعاء لقوله تعالى لإبراهيم عليه السلام ( لقد سمعت دعاءك بشأن إسماعيل ، إنني سأبارك فيه وأنميه واجعله مثمرا " ، وسيكون أبا " لاثني عشر أميرا " [ إماما " كما في النسخة العبرية ] وسأجعل منه أمة عظيمة ) ( 1 ) .
ومن الواضح من هذا النص التوراتي الموافق لما جاء في الكتاب والسنة أن الأمة العظيمة هم الأتباع الحقيقيون لرسالة الإسلام كما يظهر جليا " من قوله تعالى : ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ) [ آل عمران / 68 ] .
ولكن من هم هؤلاء الأئمة أو الأمراء الاثنا عشر الذين حسب النص السابق ستكون الأمة بهم عظيمة ؟
فمن الأحاديث التي تصرح بهوية الخلفاء الاثني عشر ما أخرجه الجويني بسنده عن عبد الله بن عباس ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن أوصيائي بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب ، وآخرهم المهدي ) ( 2 ) .
وفي رواية أخرى ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي اثنا عشر أولهم أخي وآخرهم ولدي . قيل : يا رسول الله ، ومن أخوك ؟
قال : علي بن أبي طالب . قيل : فمن ولدك ؟ قال : المهدي الذي يملأها [ الأرض ] قسطا " وعدلا " ، كما ملئت ظلما " وجورا " . والذي بعثني بالحق بشيرا " ونذيرا " لو لم يبق من
الدنيا إلا يوم واحد، لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنور ربها ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب ) ( 3 ) .
( 1 ) التوراة ( نقلا " عن نسخة بالإنجليزية ) ، سفر التكوين ( 17 : 20 ) .
( 2 ) مرتضى العسكري ، معالم المدرستين ، ج 1 ص 547 ، نقلا " عن فرائد السمطين للجويني .
( 3 ) المصدر السابق ، ج 1 ص 548 . ( * )
- ص 158 -
وفي رواية ثالثة ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( . . . أنا وعلي والحسن والحسين ، وتسعة من ولد الحسين ) ( 1 ) .
وعلى ما يبدو أن أصحاب الصحاح والمسانيد المشهورة عند أهل السنة لم تعجبهم هذه الروايات الثلاث الأخيرة فلم يخرجوها في كتبهم ، وقد قال الذهبي في ترجمة شيوخه بتذكرة
الخواص أن الإمام المحدث صدر الدين إبراهيم الجويني وهو شافعي الذي أخرج هذه الأحاديث بكتابه ( فرائد السمطين ) ، كان من المحدثين الثقة ، وشديد الاعتناء بالرواية وتحصيل الأجزاء ( 2 ).
( 1 ) المصدر السابق ، ج 1 ص 584 . ( 2 ) المصدر السابق ، ج 1 ص 547 . ( * )
مكتبة الشبكة
الصفحة التالية
الصفحة السابقة
فهرس الكتاب